فصل: ومن باب النفخ في الشراب والتنفس فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب في الأوعية:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا منصور بن حبان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قالا «نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفَّت والحنتم والنَّقير».
قال الشيخ: الدباء القرع قال أبو عبيد قد جاء تفسيرها في الحديث، عَن أبي بكرة أنه قال أما الدباء فإنا معاشر ثقيف كنا بالطائف نأخذ الدباء فنخرط فيها عناقيد العنب ثم ندفنها حتى تهدر ثم تموت.
وأما النقير فإن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة ثم ينبذون الرطب والبسر ويدعونه حتى يهدر ثم يموت، وأما الحنتم فجرار كانت تحمل إلينا فيها الخمر وأما المزفت فهذه الأوعية التي فيها الزفت.
قلت: وإنما نهى عن هذه الأوعية لأن لها ضراوة يشتد فيها النبيذ ولا يشعر بذلك صاحبها فتكون على غرر من شربها.
وقد اختلف الناس في هذا فقال قائلون كان هذا في صلب الإسلام ثم نسخ بحديث بريدة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كنت نهيتكم عن الأوعية فاشربوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا» وهذا أصح الأقاويل.
وقال بعضهم الخطر باق وكرهوا أن ينتبذوا في هذه الأوعية وإليه ذهب مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وإسحاق، وقد روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما.
قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية عن نوح بن قيس حدثنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عن النقير والمقيَّر والحنْتم والدُّباء والمزادة المحبوبة ولكن اشرب في سقائك وأوكه».
قال الشيخ: قوله: «اشرب في سقائك وأوكه» إنما قال ذلك من أجل أن السقاء الذي يشد ويوكى جلد رقيق فإذا حدثت فيه الشدة تقطع وانشق فلم يخف على صاحبه أمره، وهذه الأوعية صلبة متينة يتغير فيها الشراب وتشتد فلا يشعر صاحبها بذلك. وأما المزادة المحبوبة فهي التي ليست لها عزلاء من أسفلها تتنفس منها فالشراب قد يتغير فيها ولا يشعر به صاحبها.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد حدثنا إسماعيل بن سُميع حدثنا مالك بن عمير عن علي رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجِعة».
قال الشيخ: قال أبو عبيد الجعة نبيذ الشعير.

.ومن باب في الخليطين:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن شريك عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعًا، ونهى أن ينتبذ البسْر والرطب جميعًا».
قال الشيخ: قد ذهب غير واحد من أهل العلم إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب المتخذ منهما مسكرًا قولا بظاهر الحديث ولم يجعلوه معلولًا بالإسكار، وإليه ذهب عطاء وطاوس. وبه قال مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق وعامة أهل الحديث وهو غالب مذهب الشافعي. وقالوا من شرب الخليطين قبل حدوث الشدة فهو آثم من جهة واحدة، وإذا شرب بعد حدوث الشدة كان آثمًا من جهتين أحدهما شرب الخليطين والآخر شرب المسكر، ورخص فيه سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وقال الليث بن سعد إنما جاءت الكراهة أن ينبذا جميعًا لأن أحدهما يشد صاحبه.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ثابت بن عُمارة حدثتني رَبطة عن كبشة بنت أبي مريم قالت: «سألت أم سلمة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه قالت كان ينهانا أن نعجم النوى طبخًا أو نخلط الزبيب والتمر».
قال الشيخ: قوله: «أن نعجُم النوى» نريد أن نبلغ به النضيج إذا طبخنا التمر فعصدناه يقال عجمت النوى أعجمه عجمًا إذا لكته في فيك، وكذلك إذا أنت طبخته أو أنضجته، ويشبه أن يكون إنما كره ذلك من أجل أنه يفسد طعم التمر أو لأنه علف الدواجن فتذهب قوته إذا هو نضج.
قال أبو داود: حدثنا زياد بن يحيى الحساني حدثنا أبو بحر حدثنا عتاب بن عبد العزيز الجِماني قال، حدثتني صفية بنت عطية قالت، «دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة رضي الله عنها فسألناها عن التمر والزبيب فقالت كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم».
قال الشيخ: قولها: «أمرسه» تريد أنها تدلكه بأصابعها في الماء، والمرس والمرث بمعنى واحد. وفيه حجة لمن رأى الانتباذ بالخليطين.

.ومن باب في نبيذ البسر:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن جابر بن زيد وعكرمة أنهما كانا يكرهان البسر وحده ويأخذان ذلك عن ابن عباس، وقال ابن عباس رضي الله عنه أخشى أن يكون المُزَّاء التي نهيت عنه عبد القيس، فقلت لقتادة ما المزاء فقال النبيذ في الحنتم والمزفت.
قال الشيخ: قد فسر قتادة المزاء وأخبر أنه النبيذ في الحنتم والمزفت، وذكره أبو عبيد فقال: ومن الأشربة المسكرة شراب يقال له المزاء ولم يفسره بأكثر من هذا وأنشد فيه الأخطل:
بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم ** إذا جرى فيهم المزاء والسكر

.ومن باب صفة النبيذ:

قال أبو داود: حدثنا عيسى بن محمد حدثنا ضمرة عن السيباني عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه قال: «قلت يا رسول الله إن لنا أعنابًا ما نصنع بها قال زببوها قال ما نصنع بالزبيب، قال انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم وانبذوه في الشِّنان ولا تنبذوه في القُلل فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلًا».
قال الشيخ: الشنان الأسقية من الأدم وغيرها واحدها شن، وأكثر ما يقال ذلك في الجلد الرقيق أو البالي من الجلود، والقلل الجرار الكبار واحدتها قلة، ومنه الحديث إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يُوكأ أعلاه وله عَزلاء ينبذه غُدوة ويشربه عِشاء، وينبذه عشاء فيشربه غدوة».
قال الشيخ: العزلاء فم المزادة وقد يكون ذلك للسقاء من أسفله ويجمع على العزالي.

.ومن باب شرب العسل:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج عن عطاء أنه سمع عبيد بن عمير قال: عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تخبر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلًا فتواصيت أنا وحفصة أيتُّنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزلت: {لِمَ تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} إلى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 1] لعائشة وحفصة رضي الله عنهما: {وإذ أسرَّ النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} [التحريم: 3] لقوله: بل شربت عسلًا».
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل فذكر هذا الخبر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح».
قال الشيخ: وفي الحديث «قالت سودة بل أكلت مغافير، قال بل شربت عسلًا سقتني حفصة فقالت جرستْ نحله العُرْفُطَ».
والمغافير واحدها مغفور، ويقال له أيضًا مغثور، والفاء والثاء يتعاقبان كما قالوا فوم وثوم وجدث وجدف وهو شيء يتولد من العرفط حلو كالناطف وريحه منكر، والعرفط شجر له شوك، وقوله: «جرست نحله العرفط» أي أكلت، ويقال للنحل جوارس.
وفي هذا الحديث دليل على أن يمين النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقعت في تحريم العسل لا في تحريم أم ولده مارية القبطية كما زعمه بعض الناس.

.ومن باب الشرب من في السقاء:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أنبأنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء وعن ركوب الجلاَّلة والمُجثَمَّة».
قال الشيخ: المجثمة هي المصبورة وذلك أنها قد جثمت على الموت أي حبست عليه بأن توثق وترمى حتى تموت، وأصل الجثوم في الطير، يقال جثم الطائر وبرك البعير، وربضت الشاة، وبين الجاثم والمجثم فرق. وذلك أن الجاثم من الصيد يجوز لك أن ترميه حتى تصطاده والمجثم هو ما ملكته فجثمته وجعلته غرضًا ترميه حتى تقتله وذلك محرم.
وأما الشرب من في السقاء فأما يكره ذلك من أجل ما يخاف من أذى عساه يكون فيه لا يراه الشارب حتى يدخل جوفه فاستحب أن يشربه في إناء طاهر يبصره.
وروي أن رجلًا شرب من في سقاء فانساب جان فدخل جوفه.

.ومن باب اختناث الأسقية:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري سمع عبيد الله بن عبد الله، عَن أبي سعيد الخدري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اختناث الأسقية».
قال الشيخ: معنى الاختناث فيها أن يثني رؤوسها ويعطفها ثم يشرب منها ومن هذا سمي المخنث وذلك لتكسره وتثنيه.
وقد قيل إن المعنى في النهي عن ذلك أن الشرب إذا دام فيها خنثت وتغيرت رائحتها.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اختنث فم الإداوة ثم اشرب من فيها».
وقد ذكره أبو داود في هذا الباب فيحتمل أن يكون النهي إنما جاء عن ذلك إذا شرب من السقاء الكبير دون الأداوي ونحوها، ويحتمل أن يكون إنما أباحه للضرورة والحاجة إليه في الوقت، وإنما المنهي عنه أن يتخذه الإنسان دربة وعادة. وقد قيل إنما أمره بذلك لسعة فم السقاء لئلا ينصب عليه الماء والله أعلم.

.ومن باب الشرب من ثُلمة القدح والنفخ في الشراب:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عَن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح وأن ينفخ في الشراب».
قال الشيخ: إنما نهى عن الشراب من ثلمة القدح لأنه إذا شرب منها تصبب الماء وسال قطره على وجهه وثوبه لأن الثلمة لا تتماسك عليها شفة الشارب كما تتماسك على الموضع الصحيح من الكوز والقدح. وقد قيل إنه مقعد الشيطان فيحتمل أن يكون المعنى في ذلك أن موضع الثلمة لا ينال التنظيف التام إذا غسل الإناء فيكون شربه على غير نظافة وذلك من فعل الشيطان وتسويله، وكذلك إذا خرج الماء فسال من الثلمة فأصاب وجهه وثوبه فإنما هو من إعنات الشيطان وإيذائه إياه والله أعلم.

.ومن باب الشرب قائمًا:

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب الرجل قائمًا».
قال الشيخ: هذا نهي تأديب وتنزيه لأنه أحسن وأرفق بالشارب وذلك لأن الطعام والشراب إذا تناولهما الإنسان على حال سكون وطمأنينة كانا أنجع في البدن وأمرأ في العروق، وإذا تناولهما على حال وفاز وحركة اضطربا في المعدة وتخضخضا فكان منه الفساد وسوء الهضم.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا.
وقد رواه أبو داود في هذا الباب فكان ذلك متأولًا على الضرورة الداعية إليه وإنما فعله صلى الله عليه وسلم بمكة شرب من زمزم قائمًا، ومعلوم أن القعود والطمأنينة كالمتعذر في ذلك المكان مع ازدحام الناس عليه وتكابسهم في ذلك المقام ينظرون إليه ويقتدون به في نسكهم وأعمال حجهم؛ فترخص فيه لهذا ولما أشبه ذلك من الأعذار والله أعلم.

.ومن باب النفخ في الشراب والتنفس فيه:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا ابن عيينة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتنفس في الإناء أو ينفخ فيه».
قال الشيخ: قد يحتمل أن يكون النهي عن ذلك من أجل ما يخاف أن يبدر من ريقه ورطوبة فيه فيقع في الماء وقد تكون النكهة عن بعض من يشرب متغيرة فتعلق الرائحة بالماء لرقته ولطافته فيكون الأحسن في الأدب أن يتنفس بعد إبانة الإناء عن فمه وأن لا يتنفس فيه لأن النفخ إنما يكون لأحد معنيين فإن كان من حرارة الشراب فليصبر حتى يبرد، وإن كان من أجل قذى يبصره فيه فليمطه بإصبع أو بخلال أو نحوه ولا حاجة به إلى النفخ فيه بحال.

.ومن باب ما يقول إذا شرب اللبن:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد عن عمرو بن حرملة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كنت في بيت ميمونة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خالد بن الوليد فجاءوا بضبين مشويين على ثُمامتين فتبزَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد أخالك تقذره يا رسول الله فقال أجل»، وذكر الحديث.
قال الشيخ: الثمامتان عودان واحدتهما ثمامة، والثمام شجر دقيق العود ضعيفه قال الشاعر:
ولو أن ما أبقيت مني معلق ** بعود ثمام ما تأود عودها

.ومن باب إيكاء الآنية:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قال أغلق بابك واذكر اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر إناءك ولو بعود تعرضه عليه».
قال الشيخ: قوله: «خمر إناءك» يريد غطه، ومنه سمي الخمار الذي يقنع به الرأس وسميت الخمر لمخامرتها العقل، والخمر ما واراك من الشجر والأشب.
وقوله: «تعرضه» كان الأصمعي يرويه تعرضه بضم الراء. وقال غيره بكسرها.
قال أبو داود: حدثنا مسدد وفضيل بن عبد الوهاب السُّكري قالا: حَدَّثنا حماد عن كثير بن شِنظير عن عطاء عن جابر رفعه قال: «اكفتوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشارًا أو خطْفة».
قال الشيخ: قوله: «اكفتوا صبيانكم» معناه ضموهم إليكم وأدخلوهم البيوت وكل شيء ضممته إليك فقد كفته، ومن هذا قول الله سبحانه: {ألم نجعل الأرض كفاتًا أحياءً وأمواتًا} [المرسلات: 25] أي أنها تضمهم إليها ما داموا أحياء على ظهرها فإذا ماتوا ضمتهم إليها في بطنها.